نهض ممدوح وهو يصلح بدلتة العسكرية ومضى ينظر الى زحام الناس فى محطة القطار
كانت عيناه تجول باحثة عن الفتاة التى يعرفها قلبه جيدا ولا تعرفها عيناه ,, الفتاه صاحبة الوردة.
بدأ شغفه بها منذ عام ونصف ,,فى كبرى المكتبات العامة عندما استعار كتابا وجد نفسه مأخوذا ليس بكلمات الكتاب وانما بالتعليقات التى سطرت على هوامشه.
عكست هذه الكتابة الناعمة على الهوامش روحا رقيقة وعقلا راجحا.
فى بطاقة استعاره الكتاب وجد اسمها ,, الانسة آية أحمد . بعد قليل من الوقت والمجهود استطاع ان يجد عنوانها,,وكتب لها خطابا معرفا نفسه لها ومبديا اعجابه وتقديره لتعليقاتها على الكتاب.
على مدى عام ونصف عرف كل منهما الكثير عن الاخر عن طريق الخطابات. كان كل خطاب بذرة تسقط فى قلب خصب فنبتت عاطفة سامية بينهما.
طلب ممدوح منها ان ترسل له صورتها فأعتذرت برقة قائلة اذا كان يهتم حقيقة فالشكل لا يهم .
وجاء اليوم المنشود اخيرا,,عندما وافقت على لقائه فى محطة القطار الساعة السابعة مساء.
" سوف تعرفنى" كتبت آية " بالوردة الحمراء التى ساضعها " ... وهكذا كان ممدوح فى محطة القطار فى تمام السابعة يبحث عن الفتاه التى احبها قلبه ولم تراها عيناه.
ساترك ممدوح يقص علينا ماذا حدث
كانت هناك فتاة قادمة فى اتجاهى ,, غادة هيفاء ممشوقة القد ,, شعرها الاشقر تتناثر خصلاته على اذنيها الرقيقتين ,,عيناها زرقاوتين كبحر املج ,, شفتاها وذقنها دقيقتين ,,وفى فستانها الاخضر بدت وكأنما الربيع بعث حيا .
بدأت اتقدم نحوها حتى وقفت فى مواجهتها ناسيا ان الاحظ اذا كانت تضع وردة حمراء ام لا.
"اريد ان امر من فضلك " همست الفتاة باسمة بصوت كله موسيقى ,, كنت قد تسمرت فى مكانى.
عندئذ رايت الانسة آية ,, كانت تقف خلف هذه الفتاة مباشرة.
أمراة فى الاربعينيات من عمرها ,,ذات شعر رمادى ,,ممتلئة القوام ,, تنتعل حذاء مسحطا لا يخفى قدماها المكتنزتان.
كانت الفتاة ذات الفستان الاخضر قد مضت فى طريقها.
شعرت باننى أود ان انقسم الى نصفين ..كانت هناك رغبة ملحة فى ان اتبع ذات الرداء الاخضر ورغبة اخرى لا تقل ألحاحا فى ان اتعرف الى من رافقتها روحى طوال عام ونصف .
كانت واقفة هناك بوجهها الشاحب الممتلىء الذى بدا لى رقيقا وحانيا ,, عيناها السودواتين يشع منهما دفء .....ولم اتردد
قبضت اصابعى على نسخة الكتاب الذى كان سببا لتعارفنا,, كان شيئا ثمينا ,, ولربما كان اجمل من الحب ,,شيئا جعل روحى تحلق لعام ونصف,, شيئا ادين له بالكثير.
القيت عليها التحية وناولتها نسخة الكتاب قائلا : "انا ممدوح ولا بد انك الانسة آية ",,اعترى صوتى بعضا من خيبة الامل حاولت جاهدا ان اخفيها,, " انا سعيد جدا انك استطعت الحضور, هل تشرفينى بدعوتك للعشاء؟؟ " .
اشرق وجه المرأة بابتسامة " لا اعرف ما الذى يحدث يا ابنى ,, لكن هذه الفتاة ذات الرداء الاخضر التى مضت منذ لحظات اعطتنى هذه الوردة ورجتنى ان اضعها على معطفى,,وطلبت منى اذا دعوتنى للعشاء ان اخبرك انها ستكون فى انتظارك داخل المطعم الكبير فى الناحية الاخرى من الشارع,, واخبرتنى انه نوع من الاختبار !!!
شكرت المرأة بحرارة وانا اسرع الخطى الى المطعم الكبير ولا استطيع ان اخفى اعجابى بتفكير آية التى ادركت ان الحب الحقيقى عندما يستجيب القلب لمن لا يكون بالضرورة الاجمل.