الحمد لله وبعد :
هذه كلمات مختصرة موجزة في المسألة ،
بينةٌ جلية لطلاب الحق ،
الرُحماء بالخلق ،
توصلت لها بعد سبر كتب العلماء الفحول ،
من مشايخ الإسلام كابن تيمية وتلميذه وغيرهم من أئمة التفسير ، وأئمة الدعوة النجدية ،
سقتها لك باختصار ،
فإن أعياك فهمُ شيء منها ،
بسطت ما بوسعي في بيان ذلك على قدر الحاجة ،
وأُذكر الجميع خطورة المسألة فلإن يخطئ الحاكم في عدم التكفير أهدى له أن يُخطئ في التكفير ،
لأنَّ خطأ التكفير يجرُّ استحلال الدم والمال والفروج .
فمهلاً يا شباب الإسلام في هذي المسائل رحمكم الله .
لذا أقول وبه أستعين :
ألا وإنَّ من أفرى الفِرى على الله ورسوله وشريعته إبطالُ العذر بالجهل ،
وعدم اعتباره واستئصاله ، فهذا مذهب الخوارج الغلاة ،
كما لا يجوز أن يبقى هذا الحكم وصفاً ثبوتياً لا يرتفع ولا ينتفي البتة ، فهذا مذهب المرجئة الجفاة .
فلا بد من التوسط بين هذا وذاك .
فأهل السنة هم الوسط في ذلك بين المرجئة والخوارج ،
وسطيتهم كوسطية الإسلام بين اليهودية والنصرانية .
فهل كلُّ من وقع في الكفر يُعذر بالجهل ؟
وهل كلُّ من وقع في الكفر وقع الكفر عليه من غير اعتبار العذر بالجهل ولا الالتفات له أصلا ؟
وهل يُفرق في المسائل فمنها ما يُعتد بالعذر بالجهل ومنها ما لا يُعتد به بتاتاً ؟
نقول وبالله التوفيق :
يُفرَّق في الحكم بالتكفير بين المسائل الخفية والمسائل الجلية ،
فالمسائل الجلية هي مايُطلق عليها بالمعلوم من دين الله ضرورة ،
والمسائل الخفية هي التي يعلمها العالم وهو الذي يُجليها ليُحذر منها .
الذي يلزمنا هو المسألة الأولى :
فالمعلوم من الدين بالضرورة والذي لا يسع أن يجهل به أحد ، ويستوي فيه الجاهل والعالم ،
فمثله لا عذر لأحد بالجهل به إذا كان عاقلاً ،
ويُحكم على صاحبه بالردة والكفر ولو كان ممن ينطق بالشهادة ويصوم ويصلي ويزعم أنه مسلم .
أما المسائل الخفية فقد اتفق العلماء المنع من التكفير إلا بتحقيق شروط التكفير وانتفاء موانعه ،
ولا بد من رسوخ في العلم للتفريق بين ماهو معلوم ضرورة مما هو غير ذلك ،
ويُفرَّق في ذلك بين واقع وآخر ، أو بين بلد وآخر ،
مثال ذلك : الطواف بالقبور والإستغاثة بالأموات عمل شركي ،
لنفترض أن رجلاً من أهل مكة تربى وهو يسمع علماء نجد وكيف يُكثرون من تعليم هذه المسائل ،
وبعد هذا كله وُجد يطوف بقبر في ضواحي مكة ويستغيث ويَذل لها خاشعاً وكأنه بين يدي رب العالمين ،
ورجل وُلد في أرياف مصر ونشأ وأهله في البلدة يعكفون على القبور فظن هذا أنما يقوم به هو من دين الله أصالة ،
فهل يستويان مثلا ! ؟
الجواب : طبعاً لا ،
فالأول : الأمر معلوم عنده ضرورة أنه من الشرك ،
والثاني : الأمر معلوم عنده ضرورة أنه من الدين .
فالأول يُكَفَّر ،
والثاني يُعَلَّم تعليماً حليماً وحكيماً ،
وقد أخطأ من زعم أن مجرد تلاوة الآيات القرآنية عليه هي إقامة للحجة ،
مع العلم أن القرآن بين يديه ويتلوه من سنين !
ومع ذلك لم يكفره العلماء ،
إلا بعد إزالة الشبهة وإقامة الحجة ،
فإن تبين بالقرائن أن الشبهة أُزيلت والحجة أُقيمت ،
وهذا يُعرف بالقرائن والمماحكة والمحاججة ،
لأن الكثير قد يظن أنه قد أقام الحجة بالفظاظة والغلظة فحسب ،
من غير صبر ومحاججة وتبيان وإيضاح .
بل حال الكثيرين أنهم بدعوى إقامة الحجة يصدون عن الحجة ،
من أجل ذلك ذكرت لك أن يكون التعليم حكيماً حليماً ورحيماً .
عندها وبعد ذلك يُجتهد إما أن يُنظر بأمره ،
وإما أن يُحكم بتكفيره ردة ،
هذا بالنسبة لأحكام الدنيا أما في الأُخرى فالأمر فيها لملك الملوك الذي يعلم السر وأخفى .
فقد نحكم على أناس بالردة بما ظهر لنا من الأدلة على ذلك ،
ويوم القيامة يكونون من أهل الإسلام ،
وقد أخطأ الحاكم بالحكم عليهم ،
والعكس بالعكس .
المهم أن المسألة ليست بالهوى إنما هي من أخطر المسائل ، لذا فإني أنصح أن لا يخوض بها من كان غير محيط ومدرك بمسائلها ،
وأن يترك الأمر إلى أهله .
والله الموفق
كتبه : أخوكم مصباح الحنون
الإثنين
27 جمادى الثانية 1432