أدركت في لحظات صمتي وتأملاتي ان كل منا بحر كل منا يم كل منا نهر - فمن بعد هذا لا يتمني ان يكون بحرا مهجورا ونهرا محفوظا ويمً يحمل الأنبياء - لا يوجد غيرك أيها البحر المهجور فيك النهر واليم وفي داخلك تنمو نفسا خالية من الشوائبفلا تحزن ولا تيأس ولا تتألم فأنت الأفضل - أم تراك حزين – أم تراك في الوحدة نديم – فهذا هو عالم البشرية – انك في وحدتك مع الله – وفي صدقك مع الشريعة – وفي كلماتك الموعظة – هكذا أنت وان كنت لا ترى ذلك – فلا تبهرك سفن ولا أطفال علي الشواطئ ولا صيادين – فكلهم كلهم مجانين يعبثون ولايرون إلا وذمة في بحر ولا في أنفسهم – كثر الفساد في البر والبحر بما فعلت ايدى الناس - ألا ترى معي ان الهجر ليس مذمة – ان الهجر هو الخلاص – لذلك عشقت البحر ولكن اى بحر انه البحر المهجور - فيا أيها البحر المحجور احبك لان فيك صفات لا يراها الناس بالبصر واني أراها بالبصيرة . أن هناك أربع ملكات عقلية للإنسان وراء كل أفعاله ثلاث منها ضد صالح الإنسان الديني وواحدة فقط – هي القدرة الملائكية – التي توجه الإنسان نحو الله وتعاونه علي طاعة أوامره - ولو أن تأثير هذه مخفي عن عين الإنسان , أما الثلاثة الأخرى التي تقاوم اتجاه الإنسان إلي الله فهي واضحة ويسعد الإنسان بها , ولما كان الإنسان أو البحر لايرى إلا ما يطفوا علي السطح ولا يهتم إلا بالحاضر ويوجه انتباهه الي الأمور الدنيوية أكثر من اهتمامه بالأمور الدينية – فقد قال احد المسلمين المبدعين :- أنني واقع في شرك أربعة أشياء تسبب سيطرتها علي كل بؤسي وآلامي هي : الشيطان – والعالم – والشهوة – والجشع - فكيف أحرر نفسي منها وكلها عدوتي ؟ أن الشهوات الشريرة السيئة تدمرني وتلقيني في ظلمة يأس من الحسيات والملذات , أما الملكات العقلية الثلاث السيئة فقد سيطرت علي الملائكة وعلي آدم حتي وقتنا الحاضر كما يقول الحديث :- روي عن أبي هريرة قال محمد صلي الله عليه وسلم :- لما خلق الله سبحانه وتعالي آدم مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته الي يوم القيامة وجعل بين عيني كل إنسان وبيصا من نور ثم عرضهم علي آدم فقال آدم : اى رب من هؤلاء ؟ قال هؤلاء ذريتك فرأى رجلا منهم فأعجبه وبيص ما بين عينيه فقال يارب من هذا ؟ قال داود . قال كم جعلت عمره ؟ قال ستين سنه . قال يارب زده من عمري أربعين سنه . قال محمد صلي الله عليه وسلم : فلما انقضي عمر آدم إلا أربعين جاءه ملك الموت فقال : آدم : أولو لم يبق من عمري أربعون سنة ؟ قال : أولم تعطها ابنك داود ؟ فجحد آدم فجحدت ذريته , ونسي آدم فأكل من الشجرة فنسيت ذريته . وخطيء آدم فخطئت ذريته _ أخرجه الترمذي – أيها البحر المهجور هذا هو البحر المعمور الذي تراه أهلا وتحسبه سعيدا – أيها البحر المهجور إلا تريد أن تبقي مهجورا لتحمي نفسك من زلات البشر وخطايا النفوس .