السمك البربوني يبدو طيبا – أعتقد انني سأختار الغداء منه ..."
ووضع الشاب جريدته على المائدة وكانت تحمل عنوانا كبيرا لفت نظر توني ...وانطلق الشاب الكريتي يقول في لامبالاة :
" لقد شاهدت هذا الحادث ..."
واتسعت عيناها في فزع وهي تقول :
" رأيته فعلا ...ياله من حادث مروّع "
" كان الحادث أخذا بالثأر – لقد دخل الرجل الى المقهى الذي كنت جالسا فيه وأغمد السكين في ظهر الشاب...وانتهى الأمر كله في ثوان .."
وارتعدت فرائص توني , كانت قد أصيبت بالذهول عندما سمعت لأول مرة بحادث ثأر , ودهشت كيف تستمر هذه العادة الوحشية في بلد كاليونان لكن هذه العادة بقيت فقط في ماني , وكريت...وبرغم ان القضاة المستشارين مصممون على قمعها الا انه يتعين عليهم ان يتصرفوا بحذر شديد عند معالجة مثل هذه العادة القديمة الراسخة , ومع ذلك فان هناك أحكاما تصدر الآن بينما جاء وقت كانت فيه عملية الأخذ بالثأر مقبولة وان القتلة يطلق سراحهم .
والتقطت عيناها بسرعة السطور التي تلت عنوان الصحيفة وقرأت : علم غلافكوس اخيرا انه منذ عشرين عاما كان جد الشاب قد قتل أحد أقاربه ...وعندئذ صمم غلافكوس على الأنتقام , لأنه حسب العادة لابد ان تسيل الدماء .
ودمدمت توني :
" إن ما يحدث ليس فيه شئ من المدنية يا سافاس , فلماذا تبقون على هذه العادة ؟ "
وهز كتفيه قائلا :
" ان كثيرين منا لا يعتقدون ان ذلك صواب ...لكنه من سوء الحظ ان هناك ايضا من يؤمنون بأخذ الثأر ... وخاصة المسنين الذين لا يزالون يتمسكون بالتقاليد, ولذلك فإن هذه العادة ما زالت قوية في كثير من القرى "
" لا أصدق ان مثل هذه العادة لا يمكن رفضها فورا , ان اليونان برغم كل شئ هي البلد الذي يرتبط في ذهن المرء ببدايات المدنية الغربية ومع ذلك فإن هذه العادة بدائية تماما .
وصفق سافاس بيديه كما يفعل اليونانيين محاولا لفت نظر اندرولا , كانت تحاول اخذ طلبين مرة واحدة ومالت برأسها في حركة اعتذار لأنها جعلت سافاس ينتظر . وأضاف سافاس :
" من الواضح انها أثر من آثار الوثنية ...ربما كنا على قدر كبير من المدنية والثقافة , ولكن لا تنسي اننا كنا نعبد الأوثان .."
وقطبت توني جبينها وهي لا تزال غير قادرة على تقبل ان هناك رجلا يمكن ان ينظر الى القتل على اعتبار انه واجب . وتطلعت الى الراقصين الذين هم كانوا يؤدون رقصة الندوزاليس , وهي رقصة الحرب , كان يؤديها في الأصل العسكريون وأخذت ترقب الراقصين مبهورة .فلا شك ان هناك مناسبات تتكشف فيها وثنية اليونان القديمة .
وضحك سافاس من تعبيرات وجهها , وقال :
" مثل هذا الوجه الجميل ينبغي ألا يتجهم أبدا "
ولم تعبأ توني بهذا الإطراء , فلم تقابل أبدا يونانيا لا يتقن الغزل والمداهنة ,وقالت وهي تمسك بقطعة السمك في صحنها :
" أفكاري هي التي تجعلني مكتئبة ... ولو كنت قاضية هنا , لأصدرت أحكاما طويلة بالسجن , ان هذه هي الطريقة الوحيدة للقضاء على عادة الثأر الرهيبة .
" ولكن لماذا يحكم على شخص بعقوبة صارمة بالسجن عندما تكون أسرته هي التي أرسلته لتنفيذ القتل ؟ وعندما يكون هو على يقين انه ينفذ واجبه؟ "
واعترفت توني في تردد بعد تفكير :
" افهم هذا الى حد ما لكنه واضح ان هذه العادة يجب ان يقضى عليها "
" سيمضي وقت طويل , ألا تعرفين ان هناك من يعتقد بضرورة تنفيذ الإنتقام حتى لو كان القتل قد حدث بدون عمد ...."
ونظرت اليه في استنكار وهي تقول :
" لابد انهم متعصبون اذن !"