من عينيك يمكن اكتشاف أمراض تهدد جسمك
طب أعصاب العيون من التخصصات الدقيقة والحديثة في طب العيون، والطبيب الذي يتخصص في هذا المجال مهمته تشخيص وعلاج مشاكل في الرؤية تتعلق بالجهاز العصبي، وليس مصدرها العين نفسها.
نتيجة لتطور الطب وتشعبه بشكل عام، أصبح كل تخصص فيه متفرعا ويضم تخصصات دقيقة، وبالتالي أصبح طب العيون وجراحتها يضم تخصصات عديدة، يختص كل منها بجزء من أجزاء العين. فالعين على الرغم من صغر حجمها مقارنة بأعضاء الجسم الأخرى، هي عضو حساس غاية في التعقيد. حول هذا الموضوع التقينا الدكتور رائد بهبهاني، استشاري أمراض أعصاب العيون، وعضو البورد الأميركي في طب وجراحة العيون، وزميل كلية الجراحين الملكية الكندية.
• كيف ترتبط مشاكل العين بالجهاز العصبي؟
- ارتباط العين بالجهاز العصبي المركزي وثيق جدا، حيث إن جميع المؤثرات البصرية، بمختلف أنواعها، تنتقل من شبكية العين الى المخ، وبالتحديد إلى الفص الخلفي منه. وهناك أجزاء عديدة أخرى من المخ يخدم كل منها وظيفة معينة حيث توجد أجزاء مختصة بتمييز الألوان وأخرى لتمييز الحركة والأشكال... الخ. طب أعصاب العيون هو تخصص دقيق ويحتاج الى تدريب وخبرة في أمراض العين، والمخ، والأعصاب، والعضلات.
ويحصل طبيب أعصاب العيون على شهادة التخصص هذه بعد اجتيازه درجة الدكتوراه أو الزمالة في تخصص العيون العام أو تخصص المخ والأعصاب، بعدها يقوم بزمالة تتراوح فترتها ما بين سنة أو سنتين في دراسة هذا التخصص الدقيق.
• ما الفرق بين طبيب العيون العام وطبيب أعصاب العيون؟
- يقوم طبيب أعصاب العيون عادة بتشخيص أمراض متعلقة بالعصب البصري والجهاز العصبي، عن طريق فحص المريض من منظور العين، والجهاز العصبي، والجسم بشكل عام. لذا يقوم طبيب العيون العام وأطباء وجراحو المخ والأعصاب بتحويل العديد من مرضاهم الى طبيب أعصاب العيون لمساعدتهم على تشخيص الأمراض والعوارض المتعلقة بالبصر والناتجة من خلل في الجهاز العصبي، مثل جلطات الدماغ، والتصلب المنتشر، ووهن العضلات، وأورام الغدة النخامية.
بالامكان القول ان طبيب العيون بشكل عام وطبيب أعصاب العيون بشكل خاص أحيانا أول من يقوم بتشخيص أمراض تؤثر في الجسم بشكل عام وليس العين فقط، وقد يقوم بانقاذ حياة شخص عن طريق تشخيص بعض الحالات الطارئة التي تحتاج الى تدخل طبي عاجل مثل انتفاخ العصب البصري الناتج من ارتفاع ضغط الدماغ غالبا وضغط الدم أحيانا الذي يحتاج تدخلا عاجلا.
من الأمراض الأخرى الشائعة التي يقوم طبيب أعصاب العيون بتشخيصها وعلاجها هي أمراض العصب البصري، فقدان في مجال النظر، ازدواجية الرؤية، حركات واهتزازت العين غير الطبيعية، أمراض الغدة الدرقية التي تؤثر في العين، عدم تساوي حجم البؤبؤ في العينين، وأمراض واضطرابات الجفون.
دلائل تكشف أمراضا كثيرة
• ما أهم أمراض أعصاب العيون التي يقوم استشاري أعصاب العيون بتشخيصها؟
- من أهمها ما يلي:
التهاب العصب البصري
التهاب العصب البصري يعد سببا شائعاً لفقدان الرؤية ويؤثر في المرضى ما بين 45 - 60 سنة ويحدث في النساء أكثر من الرجال. ومن أعراضه ألم في العين مصاحب لفقدان جزئي أو كلي للرؤية. وسببه هو زيادة نشاط الجهاز المناعي للجسم الذي يلعب دورا مهما في مقاومة الأمراض والبكتيريا، لكن أحيانا قد يصبح نشطاً لأسباب غير معلومة ويبدأ بمهاجمة الجسم نفسه. وفي معظم الحالات يتحسن النظر خلال 4 إلى 6 أسابيع من بدء العلاج، من ثم يطرأ تحسن ملحوظ بعد فترة 3-6 أشهر.
واهمية التهاب العصب البصري انه يكون العارض الأول لمرض التصلب المتعدد (Multiple sclerosis). يقوم طبيب أعصاب العيون بطلب أشعة رنين مغناطيسي للدماغ، وإذا أظهر الرنين المغناطيسي التهابات في الجهاز العصبي المركزي (بقع بيضاء تظهر في الأشعة) فهذا يعني أن احتمالية الاصابة بمرض التصلب المنتشر في المستقبل أعلى من الشخص العادي وتصل الى حوالي 50% خلال 10 سنوات. وفي حالة ما اذا كانت أشعة الرنين المغناطيسي طبيعية فإن هذا أيضاً لا يعني أنه لا توجد فرصة لانتكاسات للمرض في المستقبل اذ يبقى هذا الاحتمال موجودا ولكن تكون فرصة حدوثه أقل.
وبغض النظر عما إذا كان المرض سيتحول إلى تصلب منتشر (MS) في المستقبل، فإن احتمال استعادة الرؤية جيد في التهاب العصب البصري، فقد أظهرت الدراسات أن بعض أنواع العقاقير قد تؤخر أو تمنع حدوث انتكاسات جديدة للجهاز العصبي، لذا من المهم التعرف على المرضى ذوي المخاطر العالية لحدوث التصلب في المستقبل وبدء العلاج الوقائي لهم بصورة مبكرة.
ازدواجية الرؤية
ازدواجية الرؤية قد تكون مزمنة أو قد تحدث بشكل مفاجئ. قد يشتكي المريض من رؤية صورتين مزدوجتين أو صورة مصحوبة بظل. بعض أسباب ازدواجية الرؤية قد تكون ليس لها علاقة بأعصاب العين مثل جفاف في القرنية، عدم مناسبة النظارة للمريض أو ماء أبيض في العين. وفي أحيان أخرى يكون سببها اختلالا في حركة العين نتيجة اختلال في أعصاب أو عضلات العين.
من الأمراض التي قد تسبب ازدواجية حادة في الرؤية للمرضى الصغار السن نسبيا التهابات الجهاز العصبي المركزي مثل التصلب المنتشر ومرض وهن العضلات، واحيانا اصابات الرأس الناتجة من حوادث السيارات مثلا. في الأشخاص الأكبر سنا نسبيا فان الازدواجية الحادة قد يكون سببها تجلط في أعصاب العين خاصة اذا كان الشخص يعاني من ارتفاع الكوليسترول وضغط الدم ومرض السكر. في هذه الحالات فان تحسنا تدريجيا يطرأ على ازدواجية الرؤية مع تنظيم السكر، والضغط والكوليسترول.
في حالات ازدواجية الرؤية المزمنة التي ليس لها سبب معين، يجب مراجعة طبيب أعصاب العيون، حيث انه من المحتمل وجود كتلة او ورم يقوم بالضغط على أعصاب العين، وفي هذه الحالة قد يسلتزم هذا تدخلا جراحيا.
تشنج الوجه والجفون
تشنج الجفون حالة تسبب تشنجات في عضلات الوجه والجفن بحيث يقوم المريض فيها باغلاق الجفون واغماض العيون بقوة وبشكل لاإرادي. وأحيانا قد يصاحب الحالة تشنج في نصف عضلات الوجه.
سبب الحالة هو اختلال في وظائف الخلايا القاعية بالدماغ التي تختص بتنظيم الحركة بشكل عام. قد تسوء حالة المريض بشكل يصعب عليه القراءة أو قيادة السيارة، فضلا عن الحرج الاجتماعي الذي يلاقيه.
العلاج غالبا ما يتم عن طريق حقن البوتكس التي تعمل على منع الاغماض وحركة الجفن بحيث يستطيع الشخص خلالها أن يمارس حياته بشكل طبيعي. لكن مفعول حقن البوتكس مؤقت وقد يمتد ما بين فترة 3-6 اشهر، بعدها يتم حقن المريض بالبوتكس مرة أخرى.
تضخم الغدة النخامية
الغدة النخامية موجودة في قاع الدماغ، وهي الغدة الرئيسية في الجسم التي تتحكم في وظائف الغدد الاخرى. وأورام أو تضخمات الغدة النخامية شائعة جدا، نتيجة لوجودها مباشرة أسفل العصب البصري في الدماغ، فان أي تضخم أو أورام في هذه المنطقة قد يسبب ضغطا على العصب البصري، وبالتالي انخفاض في الرؤية ومجال النظر. من الأعراض الأخرى الناتجة من تضخم الغدة النخامية هي زيادة افراز هرمون الحليب الذي يسبب انقطاع الدورة الشهرية وزيادة افراز الحليب عند النساء والعجز الجنسي عند الرجال. اقل شيوعا هي اورام الغدة النخامية التي تسبب زيادة في الطول وزيادة حجم اليد والأقدام الذي ينتج من زيادة افراز هرمون النمو.
اذا زاد حجم التضخم في الغدة النخامية بشكل كبير فان هذا قد يسبب ضغطا على العصب البصري في الدماغ، وقد يحس المريض بفقدان جزئي للرؤية في أحد العينين او الجانب الخارجي للرؤية في العينين معا. ويتم تشخيص الحالة عن طريق فحص للعين ومجال النظر ومن ثم أشعة رنين مغناطيسي للدماغ. في حالة وجود أورام صغيرة تفرز هرمونات، فانه بالامكان متابعتها فقط أو العلاج بالأدوية المضادة للهرمونات التي تقلل افرازها.
في حالة وجود ورم كبير في الغدة مع تأثير على عصب العين، فان التدخل الجراحي قد يصبح ضروريا للحفاظ على الرؤية. يتم هذا غالبا عن طريق عملية تجرى عن طريق الانف لازالة الورم من قاع الدماغ.
قد يتبع الجراحة علاج باستخدام الأشعة الدقيقة والمركزة عن طريق جهاز ثلاثي الأبعاد للقضاء على الجزء المتبقي من الورم. في معظم الحالات يحدث تحسن في الرؤية بعد الجراحة، بعدها يجب على المريض المتابعة بشكل دوري مع الطبيب، واجراء فحص ميدان النظر بشكل منتظم للتأكد من عدم رجوع الحالة.
ارتفاع ضغط الدماغ
ترشح العصب البصري قد يعني وجود ارتفاع في ضغط الدماغ، وهذا لا يعني وجود ارتفاع ضغط العين او ارتفاع ضغط الدم. المريض الذي يعاني من ارتفاع ضغط الدماغ قد يشكو من فترات من الغشاوة متقطعة في العينين وصداع مزمن وآلام في الكتف والرقبة.
على الطبيب في هذه الحالة عمل أشعة مقطعية للرأس أو أشعة رنين مغناطيسي للرأس للتأكد من وعدم وجود أي ورم أو كتلة فيه. ان تم استبعاد هذه الاحتمالية فإن هذا يسمى ارتفاع ضغط الدماغ الذاتي العلة أو غير معرف السبب. هذا المرض يصيب النساء أكثر من الرجال وغالبية المرضى يعانون من السمنة.
وقد يعاني المريض من أعراض مثل الصداع وأعراض أخرى متعلقة بالرؤية مثل ضبابية مؤقتة فيها عند القيام المفاجئ أو الجلوس المفاجئ وكذلك ازدواجية في الرؤية، ومن المحتمل أيضاً أن المريض قد ازداد وزنه في الأشهر القليلة السابقة قبل بداية الأعراض.
بالإضافة إلى أشعة الرنين المغناطيسي والأشعة المقطعية للدماغ فإن الطبيب في الغالب يطلب بذلا قطنيا (سحب كمية قليلة من السائل الشوكي عن طريق إبرة صغيرة في الجزء الأسفل للظهر)، هذا الفحص الأخير له أهمية بالغة إذ من خلاله يمكن قياس ضغط الدماغ وتحليل السائل الشوكي للتأكد من عدم وجود التهاب أو تلوث.
بالرغم من أن هذه الحالة قد تسبب صداعا نتيجة ارتفاع ضغط الدماغ، فإن الضرر البالغ الوحيد الناتج منها هو على الرؤية وعلى العصب البصري، ومع الوقت إذا استمر ضغط الدماغ مرتفعاً ومع وجود ترشح في العصب البصري فإن ضرراً بالغاً قد يحدث للعصب البصري وللرؤية. وعلاج هذه الحالة يعتمد على مدى معاناة المريض من الأعراض كالصداع ومدى تأثر رؤيته بسبب المرض.
العلاج في البداية يكون عن طريق حبوب «دايموكس» حسب الجرعة التي يحددها الطبيب، لكن في نسبة قليلة من الحالات فان العلاج بعقار «الدايموكس» قد يكون غير فعال وقد يحتاج المريض إلى تدخل جراحي.
تخفيف الوزن بنسبة تقارب 15 % أيضاً من أحد الوسائل الفعالة للشفاء من هذا المرض، حيث اظهرت الدراسات وجود علاقة وثيقة ما بين السمنة وهذا المرض.
جحوظ العين الناتج من اختلال الغدة الدرقية
جحوظ العين الناتج من زيادة في نشاط الغدة الدرقية من الأمراض الشائعة جدا. وغالبا ما ينتج اعتلال الغدة الدرقية من اختلال في الجهاز المناعي يسبب اما زيادة أو نقصانا في نشاطها. في هذا المرض يفرز الجهاز المناعي أجساما مضادة للعضلات المحركة للعين مما يسبب جفافا فيها، وجحوظا، وازدواجية في الرؤية، وارتفاعا في الجفن بحيث تصبح العين بارزة ومفتوحة بشكل غير طبيعي.
اضافة الى الأعراض المذكورة فان المريض قد يعاني من الأعراض الناتجة من زيادة في نشاط الغدة الدرقية مثل ازدياد نبضات القلب، فقدان الوزن، العرق المفرط وزيادة التوتر والعصبية الزائدة.
تتم معالجة اعتلال محجر العين على حسب حدة المرض، ففي حالات ارتفاع الجفن بشكل كبير وجفاف العين يتم وصف القطرات المرطبة واغلاق العين بوضع ضمادة عليها. في حالة ما اذا كان الجفن مفتوحا بشكل واضح، فقد يحتاج المريض الى عملية في الجفون لإنزالها الى وضعها الطبيعي.
في حالة وجود ازدواجية في الرؤية نتيجة لتضخم عضلات العين، فان هذا يمكن علاجه باستخدام وضع منشور في النظارات أو عملية جراحية مشابهة لعمليات حول الأطفال.
اذا كانت العين جاحظة بشكل كبير يسبب جفافا شديدا في العين وصعوبة في اغلاقها، او في حالة وجود تضخم في العضلات يسبب ضغطا على عصب العين، فان التدخل الجراحي مع حقن الكورتيزون المكثفة يصبح ضروريا لمنع تدهور النظر فقدانه بشكل دائم.
من خلال التدخل الجراحي تتم ازالة أجزاء من العظم والدهون الداخلية لمحجر العين بحيث يصبح هناك متسعا للعصب البصري لتخفيف الضغط عليه ولكي ترجع العين الى وضعها الطبيعي.
ونتيجة لتطور الأساليب الحديثة لجراحة محجر العين، فان هذه العمليات تجرى أيضا لأغراض تجميلية حتى مع عدم وجود جفاف في العين أو ضغط على العصب البصري، وذلك لإرجاع العين الى وضعها الطبيعي لما يسببه جحوظ العين وبروزها من حرج اجتماعي وتأثير سلبي على نفسية المريض ونظرة الأشخاص اليه.
لكن يجب على المريض الراغب في اجراء هذه العمليات العلم بأن هناك بعض المضاعفات الناتجة من جراحة محجر العين التي تحدث في بعض الأحيان مثل النزيف، أو ازدواجية في الرؤية، والتي يتم التعامل معها بعلميات أخرى.
الصداع النصفي
مرض الصداع النصفي أو الشقيقة من الأمراض الشائعة بنسبة 15-20 % في السكان ويحدث بنسبة عالية في النساء الى نسبة ما بين 30% الى 50 %. الصداع النصفي أو الشقيقة قد يسبب اضطرابات في الرؤية تحدث قبل او اثناء نوبات الصداع، وغالبا ما تظهر على شكل اشكال متحركة او أضواء متوهجة تتحرك وترى من خلال العينين. اضطرابات الرؤية هذه قد تمتد فترة ما بين 10-30 دقيقة وقد يصاحبها شعور بالغثيان، وحساسية مفرطة ضد الأضواء أو الأصوات العالية.
قد توجد أحيانا عوامل ومسببات قد تسبب الصداع النصفي بشكل مفاجئ مثل بعض المأكولات كالاجبان، والشوكولاتة، ومادة النيتريت الموجودة في بعض الأطعمة المحفوظة، ومادة الكافيين، وبعض أنواع المكسرات والمحليات الاصطناعية.
أيضا بعض التغييرات الهرمونية التي تحدث أثناء فترة الدورة الشهرية والحمل قد تزيد من نسبة حدوث الشقيقة، وكذلك وجود صداع نصفي في أحد أفراد العائلة أو الأقارب قد يزيد من نسبة احتمال حدوث الصداع النصفي.
يمكن علاج نوبات الصداع النصفي الحادة بالأدوية المسكنة مثل الاسبرين، لكن في الحالات التي يحدث فيها الصداع بشكل متكرر قد تتطلب علاجا وقائيا طويل الأمد. يجب كذلك الابتعاد عن المسببات للصداع النصفي التي توجد في الأطعمة واحيانا حبوب منع الحمل التي قد تسبب صداعا نصفيا.