أخطأ الغاني
جيان وترك كل الزوايا المفتوحة في المرمى ليختار العارضة ويضع فيها تسديدته القوية
من ركلة الجزاء التي حصل عليها فريقه في الدقيقة الأخيرة من عمر المباراة
الماراثونية أمام أورجواي، وفي لحظة من أكثر لحظات كأس العالم إثارة وربما هي أكثر
لحظة مثيرة عايشتها في حياتي من خلال متابعتي للعبة طوال خمس وعشرين
سنة.
أخطأ جيان ولكن لم تتم معاملته كالمجرم ولم يصفه أي شخص بالقاتل، على
الرغم من أن هذه اللحظة بالتأكيد كانت تعني الكثير لغانا ولأفريقيا حيث كان التاريخ
مشرعاً أبوابه وكاد يدون في سجلاته اسم غانا بحروف من ذهب، كما كانت غانا ستضمن
البقاء في البطولة حتى اللحظة الأخيرة.
أخطأ جيان كما رأينا في الملعب وكما
رأيتم في المباراة التي نقلتها 32 كاميرا تلفزيونية من ضمنها تلك المعلقة
العنكبوتية والتي أثبتت بالإعادات البطيئة والدقيقة أن هناك أكثر من خيار من الممكن
أن يتخذه جيان في تلك اللحظة، ولكنها كرة القدم فلولا خطأ جيان لما كانت أورجواي في
نصف النهائي ولكانت غانا أول فريق أفريقي يصل إلى الدور نصف النهائي
للمونديال.
الغريب أننا لم نشاهد أي أحد يلوم جيان بل أخذه زملاؤه في
الأحضان بعد اللحظة التي كانت محورية في تاريخ بلاده وحاول زملاؤه التخفيف عنه كما
هتفت له الجماهير لتشد من أزره وترفع من روحه المعنوية، ولكن تخيلوا الموقف لو كان
غير هذا فما الذي كان سيحدث؟ لو افتر ضنا أن اللقطة كانت أصعب مما كانت عليه ولم
يرها حكم المباراة البرتغالي أولجاريو بينكورينسا ولم يحتسب ركلة الجزاء فما الذي
كان سيحدث، هل سيحاول أي شخص أن يدافع عنه وهل سيلقى المؤازرة من الجميع كما حدث مع
جيان؟
بالتأكيد لا، بل كانوا سيضعون كل هموم القارة الأفريقية على كاهله وليس
مستبعداً أن تكون اللقطة نهاية لمشواره التحكيمي، فأي مصير كان ينتظرك يا أولجاريو
لو لم تفعلها.
مهنة التحكيم كما يقول أحد الخبراء هي أصعب مهنة في العالم
ومشكلة الحكم الكبرى أن ليس له مشجعون في الملعب فهو متهم في نظر الجميع، وفي الوقت
الذي تقبل فيه الجميع خطأ جيان بصدر رحب لأن هذه هي قوانين اللعبة فلن يتقبل أي شخص
خطأ الحكم، ومثلما خان جيان التقدير في الركلة كذلك الحكم قد يخونه التقدير وفي
الحالتين النتيجة واحدة ولكن الفرق في مصيريهما كبير.