تتكون رواية "آنا كارنينا" من خطين سرديين: خط آنا (دراما الخيانة والانتحار) وخط ليفين (حياة زوجين سعيدين). وفي نهاية الجزء السابع، تقتل آنا نفسها. وهنا يأتي الجزء الأخير الثامن المكرس بشكل حصري إلي خط ليفين. وهذا خرق حاد للعرف الروائي، لأن موت البطلة بالنسبة للقارئ هو النهاية الوحيدة الممكنة للرواية. حسن، في ذلك الجزء
الثامن لم تعد البطلة موجودة علي مسرح الأحداث؛ كل ما تبقي من قصتها هو الصدي الزاحف، الوطء الخفيف للذاكرة الباهتة، وهي محببة وصادقة. فرونسكي وحده يائس، ويذهب إلي سيبيريا ليطلب الموت في الحرب ضد الأتراك، وفخامة فعله يصبح نسبياً: الجزء الثامن تقع أحداثه كلياً في مزرعة ليفين، إذ أنه في سياق الحديث يسخر من هستيريا مناصري السلاف وهم يسيرون للتطوع للمحاربة من أجل الصرب. إضافة إلي أن تلك الحرب تتعلق بليفين أقل كثيراً مما تتعلق بتأملاته عن الإنسان والإله؛ وهي تخرج إلي السطح متشظية أثناء فعالياته في الحقل، ممتزجة بنثر الحياة اليومية التي تنتهي كنسيان نهائي لدراما الحب.
في وضعه لقصة "آنا" في الفضاء الواسع للعالم حيث تذوب أخيراً داخل اتساع الزمن المحكوم بالنسيان، خضع تولستوي للنزوع الأساسي لفن الرواية لأن السرد كما هو موجود منذ فجر التاريخ أصبح الرواية حين لم يعد المؤلف قانعاً بـ "القصة" فقط بل فتح النوافذ للعالم الذي يمتد في كل ما حولنا. وهكذا ارتبطت بـ " القصة " قصص أخري ومشاهد واوصاف ومشاهدات وتأملات، وكان المؤلف يواجه المادة المعقدة جداً والمتغايرة جداً نفسها، الملزم، كمعماري، في فرض شكل معين. بتلك الطريقة نفسها، بالنسبة لفن الرواية منذ مولدها، اتخذ التكوين أو المعمار أهمية أساسية.