ورد سافاس :
" من يعتقد في مثل هذه العادة لابد ان يكون متعصبا "
كانت توني لا تزال تفكر فيما قاله سافاس وهي تغادر المقهى ولم تكن تدري انها ستكون بعد قليل متورطة في عادة الأخذ بالثأر البدائية في كريت... بعد ثلاثة أسابيع على ذلك , اقترب منها رجل – اثر اغلاقها المتجر الذي تعمل فيه واتجهت الى سيارتها – وطلب منها ان تنقله الى منزله وهي في طريق عودتها , كان يونانيا , وبعد ان استفسرت منه عن وجهته , ابتسمت له وفتح باب سيارتها , وبرغم انه كان عليها ان تخرج عن عادتها وافقت على إصطحابه معها لأنه كان رجلا مسنا جدا ...
وسألها :
" هل تعملين في وكالة بثرو السياحية؟ "
وابتسمت وهي تقول :
" نعم "
حتى في مدينة هيراكليون الكبيرة كان كل شخص يتدخل في شؤون غيره. وسألها :
" هل تعجبك هذه الجزيرة؟ "
" تعجبني جدا في الواقع "
" حفيدي يعيش في رودوس, انها جزيرة جميلة ايضا , هل ذهبت الى هناك؟ "
وهدأت توني سرعة سيارتها عند اشارة المرور , ثم عادت الى السرعة وسألت الكهل قائلة :
" كلا... ولكن هل تقيم في هيراكليون بصفة دائمة؟ "
وأخذت تتطلع الى الرداء الوطني الذي يلبسه , الشباب هنا لايرتدون أبدا هذا الزي هذه الأيام . المسنين من الرجال يعتبرونه اكثر راحة من البنطلون .
" انا اسكن في قرية بعيدة هنا بعيدة جدا, يمكن ان تقولي انها معزولة تماما عن المدينة "
" وهل تعجبك الإقامة في هيراكليون؟ "
" اعتدت عليها الآن "
واستمر الحديث بينهما حول هذه الموضوعات العابر الى ان وصلا الى البيت الصغير المكعب الشكل .
" ألا تتناولين مشروبا منعشا معي؟ "
هذا السؤال توقعته توني وقبلت الدعوة برغم العمل الكثير وكتابة الرسائل التي تنتظرها . لكن كرم الضيافة اليوناني الذي يتسم بالتلقائية والأخلاص لا يجب رفضه أبدا . فقالت :
" أشكرك جدا , هل وقفة السيارة مناسبة ؟ "
" تقدمي بها مسافة أخرى الى الأمام ثم أطفئي أضوائها , وتقدمها وهما يصعدان السلم وفتح الباب وطلب اليها ان تدخل الى غرفة الجلوس حتى يفرغ من اعداد المشروبات وقالت توني وهي تتجول في الغرفة :
" انت تعيش بمفردك هنا؟ "
" بمفردي تماما , توفيت زوجتي , وتزوج كل ابنائي "
وجالت ببصرها ارجاء الغرفة , انه الأثاث الثقيل المعتاد , والتحف القديمة , والأيقونات المعلقة في الجدران , والتطريز على الكراسي ,ووقع نظرها على الجدار ورأت أثرا لشئ أزيل ثم انتقلت نظرتها الى المائدة والى الخنجر الموضوع هناك . كان منظره كريها برغم انه موضوع في غمده , وكان العبوس يبدو على وجهها عندما دخل الرجل المسن أخيرا وهو يحمل صينية ...وعندما مدت يده لتأخذ فنجانا صغيرا من القهوة التركية , أزاح جانبا وأعطاها الفنجان الآخر , وأوضح لها بسرعة :
" هذا الفنجان قليل السكر , والأنكليز لا يحبون السكر الكثير "
وتنبهت توني الى الموقف فجأة بعدما لاحظت نارا تتوهج في عيني الرجل , كان شيئا غريبا , لكنها لم تستشعر مثل هذا الخوف من قبل وهي في صحبة يوناني حتى ولو كان شابا, الا انها احست بالقلق مع هذا الرجل المسن . وان لم يكن شعورا بالخوف فهو على الأقل شعور لا يبعث على الراحة .
" ألا تجلسين ؟ أشربي قهوتك" واقترب منها , كان طويلا نحيلا وشفتاه مزمومتان , ورفع الفنجان الى شفتيها وقال :
" اشربي قهوتك "
لكنها اعادت الفنجان الى الصينية .
" لا أعتقد أنني سوف أبقى هنا "
قالت هذا بهدوء ونهضت واتجهت الى الباب .
وقال الرجل" انه موصد "
واستدارت ببطء ونظرت اليه , أصدقاء توني في بلدها يعرفون عنها انها لا تخشى شيئا , وتستطيع مواجهة أي موقف , فقد كانت تنحدر من سلالة عسكريين مقاتلين شجعان حصلوا على أوسمة , وكانت سمات هذه الشجاعة المتأصلة تبدو على كل قسمات وجهها الجميل . وانعكست على نظرتها الثابتة وعلى نبرات صوتها وهي تقول له :
" لا أعرف ما تنوي عمله , ولكنني أؤكد لك أنني أستطيع حماية نفسي . أفتح الباب من فضلك "
وسادت فترة من الصمت ثم قال الرجل برقة :
" سوف أقتلك .."
ثم رانت فترة صمت أخرى , وبصورة آلية إتجه نظر توني الى المائدة وقالت :
" عليك ان توضح ذلك , انك حتى لا تعرفني ."
ولم يكن يبدو في نبرات توني الهادئة أي بادرة خوف , كان الرجل مسنا جدا, ولم يخطر في بالها أنه سيتغلب عليها بقوته .
وقال الرجل :
" أعتقد أنك أقمت في هذه الجزيرة أكثر من عام ؟ "
كان الرجل يقف قريبا من المقعد حيث كانت تجلس قبل ان تهب واقفة ومتجهة الى الباب وبدأت يداه تتقلصان وتتحركان .
وقالت توني :
" هذا صحيح .."
" ولا بد انك سمعت عن الأخذ بالثأر إذن .."
" بكل تأكيد سمعت عنه ... ولكن هل يعنيني ذلك في شئ ؟ يبدو أنك ارتكبت خطأ ... لابد انك اخترت شخصا غير الذي تقصده ...."
" أسمك انطونيا فريمان .."
وردت في حيرة ودهشة ..
" نعم لكنك ..لا تعرفني ....وأنا واثقة جدا أنني لا أعرفك "
وأخذت تتفرس في ملامحه .
" كان شقيقك هنا يمضي عطلة منذ شهرين .... أليس كذلك؟ "
وشحب وجهها قليلا , وتذكرت ما قاله سافاس لها .. ثم رفعت خصلات شعرها عن جبهتها المبتلة بالعرق . وقالت :