هذه الأهمية الاستثنائية للتكوين هي واحدة من العلامات الأصلية لفن الرواية وهي تميّز ذلك الفن من الفنون الأدبية الأخري ومن الأعمال المسرحية (حريتها المعمارية محددة تماماً بفترة التمثيل وبالحاجة إلي لفت انتباه المشاهد بصورة مستمرة) إضافة إلي الشعر. من هذا الاعتبار، أليس من المدهش أن بودلير، بودلير الذي لا يضاهي، كان قادراً علي الاستفادة من البحر الأسكندري (بيت سداسي التفاعيل) نفسه والسونيتة نفسها كما استفاد منها حشد الشعراء الذي لا يحصي قبله وبعده؟ لكن هكذا هو فن الشاعر: أصالته تعلن عن نفسها بقوة الخيال، لا بمعماره الكلي؛ وعلي الضد، فإن جمال الرواية لا ينفصل عن معمارها؛ أقول"الجمال" لأن التكوين ليس مجرد مهارة تقنية، فهو يحمل بين طياته الأسلوب الأصيل للمؤلف (كل روايات دوستويفسكي قائمة علي المبدأ ذاته من التكوين)، وهو العلامة الفارقة لكل رواية (وضمن هذا المبدأ الشائع، فإن كل رواية من روايات دوستويفسكي لها معمارها الفريد الفذ) وقد تكون أهمية التكوين أيضاً لافتة للنظر في الروايات العظيمة للقرن العشرين: يوليسيس في تنظيمها المتعدد الأساليب؛ رواية " فيردايدرك"، التي تقسّم قصتها "التشردية " (البيكارسكية) إلي ثلاثة أجزاء عن طريق فاصلين من الفارص اللذين ليس لهما علاقة بحدث الرواية والجزء الثالث من رواية " السائرون نياماً" لهيرمان بلوخ يتضمن خمسة "أنواع" مختلفة متكاملة (رواية، قصة قصيرة، ريبورتاج، شعر، مقالة)؛ رواية "النخيل البري" لوليم فوكنر تتكون من قصتين مستقلتين تماماً لا تتقاطعان أبداً.. وهلم جرا.